من صام اتقى ولم يتق لم يصم
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله والحمد الله الذي بلغنا هذا الشهر المبارك والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .....أما بعد ,
قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة:183].
إن تدبرت أخي في الله قوله تعالى { لعلكم تتقون }, علمت أن الله سبحانه فرض عليك الصوم ليعينك على التقوى , كما صرح بذلك جل وعز في أخر الأية , والتقوى هي فعل الطاعات وترك المنكرات بنية التقرب لله تبارك وتعالى ونتيجتها النجاة من العذاب السرمدي والحصول على النعيم الأبدي.
قال ابن حيان رحمه الله : سبب فرضية الصوم هو رجاء حصول التقوى لكم , فتجعلون بينكم وبين النار وقاية بترك المعاصي ، فإن الصوم لإضعاف الشهوة وردعها ، كما قال عليه السلام « فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء ».اهـ
فالصيام هو الكف والإمساك عن الشهوات المباحة من الأكل والشرب والجماع , لتضعف النفس وتنكسر شهوتها فيكون الصيام سبيلاً ومعيناً لك للكف عن الشهوات المحرمة .
قال البغوي رحمه الله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات.اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله : لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".اهـ
وقال ابن عاشور رحمه الله : ففي الصوم وقاية من الوقوع في المآثم ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة ، ووقاية من العِلل والأدْواء الناشئة عن الإفراط في تناول اللذات .اهـ
تعلم بهذا رحمك الله بأن الصوم هو وسيلة للتقوى , فمن وجد من نفسه عدم التأثير بهذه الوسيلة , فعليه مراجعة هذه النفس الطاغية والأخذ على يديها , لئلا يكون نصيبه من الصوم الجوع والعطش كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " , ويؤكد هذا المعنى وأن الصوم الذي لا يمنع صاحبه من المحرمات لا طائل منه إلا التعب قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح : " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( الزور ) الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل والتهمة . ( العمل به ) العمل بمقتضاه مما نهى الله عنه . ( الجهل ) فعل الجهل وهو السفاهة مع الناس ( فليس لله حاجة ) أي إن الله تعالى لا يلتفت إلى صيامه ولا يقبله.اهـ
فالحذر الحذر إخواني من المعاصي والصوارف والمُلهيات التي ربما أوقعتنا في هذا المصير , فترغم أنوفنا بالخسران والعياذ بالله , فما هي إلا أياماً معدودات , وقد هيأ الله لك السبيل للطاعة فاتق الله وأقبل عليه يا عبد الله . فاللهم كما بلغتنا هذا الفضل العميم , أعنا على تحصيل الأجر العظيم , والحمد لله رب العالمين.
أبو طارق علي النهدي
1 رمضان 1430 هجرية
منقول